تفسير سورة الحِجر
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
1
الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ وَقُرۡءَانٖ مُّبِينٖ
[1] الٓرۚ سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.تلك الآيات العظيمة هي آيات الكتاب العزيز المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهي آيات قرآن موضِّح للحقائق بأحسن لفظ وأوضحه وأدلِّه على المقصود. فالكتاب هو القرآن جمع الله له بين الاسمين.
2
رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ كَانُواْ مُسۡلِمِينَ
[2] سيتمنى الكفار حين يرون خروج عصاة المؤمنين من النار أن لو كانوا موحدين؛ ليخرجوا كما خرجوا.
3
ذَرۡهُمۡ يَأۡكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ
[3] اترك -أيها الرسول- الكفار يأكلوا، ويستمتعوا بدنياهم، ويَشْغَلْهم الطمع فيها عن طاعة الله، فسوف يعلمون عاقبة أمرهم الخاسرة في الدنيا والآخرة.
4
وَمَآ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٞ مَّعۡلُومٞ
[4] وإذا طلبوا نزول العذاب بهم؛ تكذيباً لك -أيها الرسول- فإنا لا نُهْلك قرية إلا ولإهلاكها أجل مقدَّر، لا نُهْلكهم حتى يبلغوه مثلَ مَن سبقهم.
5
مَّا تَسۡبِقُ مِنۡ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ
[5] لا تتجاوز أمة أجلَها فتزيد عليه، ولا تتقدم عليه، فتنقص منه.
6
وَقَالُواْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلذِّكۡرُ إِنَّكَ لَمَجۡنُونٞ
[6] وقال المكذبون لمحمد -صلى الله عليه وسلم- استهزاءً: يا أيها الذي نُزِّل عليه القرآن إنك لذاهب العقل،
7
لَّوۡمَا تَأۡتِينَا بِٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ
[7] هلَّا تأتينا بالملائكة -إن كنت صادقاً-؛ لتشهد أن الله أرسلك.
8
مَا نُنَزِّلُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَمَا كَانُوٓاْ إِذٗا مُّنظَرِينَ
[8] وردَّ الله عليهم: إننا لا ننزل الملائكة إلا بالعذاب الذي لا إمهال فيه لمن لم يؤمن، وما كانوا حين تنزل الملائكة بالعذاب بمُمْهلين.
9
إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ
[9] إنَّا نحن نزَّلنا القرآن على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وإنَّا نتعهد بحفظه مِن أن يُزاد فيه أو يُنْقَص منه، أو يضيع منه شيء.
10
وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِي شِيَعِ ٱلۡأَوَّلِينَ
[10] ولقد أرسلنا من قبلك -أيها الرسول- رسلاً في فِرَق الأمم السابقة.
11
وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ
[11] فما من رسولٍ جاءهم إلا كانوا منه يسخرون. فكما فَعَل بك هؤلاء المشركون فكذلك فُعِلَ بمن قبلك من الرسل. وفي هذا تسلية للرسول -صلى الله عليه وسلم-.
12
كَذَٰلِكَ نَسۡلُكُهُۥ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ
[12] كما أدخلنا الكفر في قلوب الأمم السابقة بسبب الاستهزاء بالرسل وتكذيبهم، كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بالكفر بالله وتكذيب رسوله
13
لَا يُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَقَدۡ خَلَتۡ سُنَّةُ ٱلۡأَوَّلِينَ
[13] لا يُصَدِّقون بالذكر الذي أُنزل إليك، وقد مضت سُنَّة الله في الأمم السابقة بإهلاك الكفار، وهؤلاء مِثْلهم، سَيُهلك المستمرون منهم على الكفر والتكذيب.
14
وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ
[14] ولو فتحنا على كفار «مكة» باباً من السماء فاستمروا صاعدين فيه حتى يشاهدوا ما في السماء من عجائب ملكوت الله، لما صدَّقوا
15
لَقَالُوٓاْ إِنَّمَا سُكِّرَتۡ أَبۡصَٰرُنَا بَلۡ نَحۡنُ قَوۡمٞ مَّسۡحُورُونَ
[15] ولقالوا: سُحِرَتْ أبصارنا، حتى رأينا ما لم نَر وما نحن إلا مسحورون في عقولنا من محمد.
16
وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَزَيَّنَّـٰهَا لِلنَّـٰظِرِينَ
[16] ومن أدلة قدرتنا: أنا جعلنا في السماء الدنيا منازل للكواكب تنزل فيها، ويستدل بذلك على الطرقات والأوقات والخِصْب والجَدْب، وزَيَّنَّا هذه السماء بالنجوم لمن ينظرون إليها، ويتأملون فيعتبرون.
17
وَحَفِظۡنَٰهَا مِن كُلِّ شَيۡطَٰنٖ رَّجِيمٍ
[17] وحفظنا السماء من كل شيطان مرجوم مطرود من رحمة الله؛ كي لا يصل إليها.
18
إِلَّا مَنِ ٱسۡتَرَقَ ٱلسَّمۡعَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ مُّبِينٞ
[18] إلا من اختلس السمع مِن كلام أهل الملأ الأعلى في بعض الأوقات، فأدركه ولحقه كوكب مضيء يحرقه. وقد يُلْقي الشيطان إلى وليه بعض ما استرقَه قبل أن يحرقه الشهاب.
19
وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَٰهَا وَأَلۡقَيۡنَا فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡزُونٖ
[19] والأرض مددناها متسعة، وألقينا فيها جبالاً تثبتها، وأنبتنا فيها من كل أنواع النبات ما هو مقدَّر معلوم مما يحتاج إليه العباد.
20
وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِيهَا مَعَٰيِشَ وَمَن لَّسۡتُمۡ لَهُۥ بِرَٰزِقِينَ
[20] وجعلنا لكم فيها ما به تعيشون من الحَرْث، ومن الماشية، ومن أنواع المكاسب وغيرها، وخلقنا لكم من الذرية والخدم والدوابِّ ما تنتفعون به، وليس رزقهم عليكم، وإنما هو على الله رب العالمين تفضلاً منه وتكرماً.
21
وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ
[21] وما من شيء من منافع العباد إلا عندنا خزائنه من جميع الصنوف، وما ننزله إلا بمقدار محدد كما نشاء وكما نريد، فالخزائن بيد الله يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، بحسب رحمته الواسعة، وحكمته البالغة.
22
وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ
[22] وأرسلنا الرياح وسخرناها تُلَقِّح السحاب، فيَدِرُّ بالماء ويمطر، وتُلَقِّح الشجر فيتفتَّح عن أوراقه وأكمامه، وتحمل المطر والخير والنفع، فأنزلنا من السحاب ماء أعددناه لشرابكم وأرضكم ومواشيكم، وما أنتم بقادرين على خَزْنه وادِّخاره، ولكن نحفَظُه لكم رحمة بكم، وإحساناً إليكم.
23
وَإِنَّا لَنَحۡنُ نُحۡيِۦ وَنُمِيتُ وَنَحۡنُ ٱلۡوَٰرِثُونَ
[23] وإنَّا لنحن نحيي مَن كان ميتاً بخلقه من العدم، ونميت من كان حيّاً بعد انقضاء أجله، ونحن الوارثون الأرض ومَن عليها.
24
وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِينَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَـٔۡخِرِينَ
[24] ولقد علمنا مَن هلك منكم مِن لدن آدم، ومَن هو حيٌّ، ومَن سيأتي إلى يوم القيامة.
25
وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحۡشُرُهُمۡۚ إِنَّهُۥ حَكِيمٌ عَلِيمٞ
[25] وإن ربك هو يجمعهم للحساب والجزاء، إنه حكيم في تدبيره، عليم لا يخفى عليه شيء.
26
وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ
[26] ولقد خلقنا آدم مِن طين يابس إذا نُقِر عليه سُمع له صوت، وهذا الطين اليابس من طين أسودَ متغيِّر لونه وريحه؛ مِن طول مكثه.
27
وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ
[27] وخلقنا أبا الجن، وهو إبليس مِن قَبْل خلق آدم من نار شديدة الحرارة لا دخان لها.
28
وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرٗا مِّن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ
[28] واذكر -أيها الرسول- حين قال ربك للملائكة: إني خالق إنساناً من طين يابس، وهذا الطين اليابس من طين أسودَ متغيِّر اللون.
29
فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ
[29] فإذا سوَّيته وأكملت صورته ونفخت فيه الروح، فخُرُّوا له ساجدين سجود تحية وتكريم، لا سجود عبادة.
30
فَسَجَدَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ كُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ
[30] فسجد الملائكة كلهم أجمعون كما أمرهم ربهم، لم يمتنع منهم أحد.
31
إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰٓ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِينَ
[31] لكن إبليس امتنع أن يسجد لآدم مع الملائكة الساجدين.
32
قَالَ يَـٰٓإِبۡلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِينَ
[32] قال الله لإبليس: ما لَكَ ألا تسجد مع الملائكة؟
33
قَالَ لَمۡ أَكُن لِّأَسۡجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقۡتَهُۥ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ
[33] قال إبليس مُظهراً كبره وحسده: لا يليق بي أن أسجد لإنسان أوجدْتَهُ من طين يابس كان طيناً أسودَ متغيراً.
34
قَالَ فَٱخۡرُجۡ مِنۡهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٞ
[34] قال الله تعالى له: فاخرج من الجنة، فإنك مطرود من كل خير
35
وَإِنَّ عَلَيۡكَ ٱللَّعۡنَةَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلدِّينِ
[35] وإن عليك اللعنة والبعد من رحمتي إلى يوم يُبْعَث الناس للحساب والجزاء.
36
قَالَ رَبِّ فَأَنظِرۡنِيٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ
[36] قال إبليس: رب أخِّرني في الدنيا إلى اليوم الذي تَبْعَث فيه عبادك، وهو يوم القيامة.
37
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ
[37] قال الله له: فإنك ممن أخَّرْتُ هلاكهم
38
إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡوَقۡتِ ٱلۡمَعۡلُومِ
[38] إلى اليوم الذي يموت فيه كل الخلق بعد النفخة الأولى، لا إلى يوم البعث، وإنما أُجيبَ إلى ذلك؛ استدراجاً له وإمهالاً، وفتنة للثقلين.
39
قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ
[39] قال إبليس: ربِّ بسبب ما أغويتني وأضللتني لأحسِّنَنَّ لذرية آدم معاصيك في الأرض، ولأضلنهم أجمعين عن طريق الهدى
40
إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ
[40] إلا عبادك الذين هديتهم فأخلصتهم لطاعتك وطهَّرتهم من كل ما ينافي ذلك.
41
قَالَ هَٰذَا صِرَٰطٌ عَلَيَّ مُسۡتَقِيمٌ
[41] قال الله: هذا طريق مستقيم معتدل موصل إليَّ وإلى دار كرامتي.
42
إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ
[42] إن عبادي الذين أخلصوا لي لا أجعل لك سلطاناً على قلوبهم تضلُّهم به عن الصراط المستقيم، لكن سلطانك على مَنِ اتبعك مِنَ الضالين المشركين الذين رضوا بولايتك وطاعتك بدلاً من طاعتي.
43
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوۡعِدُهُمۡ أَجۡمَعِينَ
[43] وإن النار الشديدة لمَوعدُ إبليس وأتباعِه أجمعين
44
لَهَا سَبۡعَةُ أَبۡوَٰبٖ لِّكُلِّ بَابٖ مِّنۡهُمۡ جُزۡءٞ مَّقۡسُومٌ
[44] لها سبعة أبواب كل باب أسفل من الآخر، لكل بابٍ مِن أتباع إبليس قسم ونصيب بحسب أعمالهم.
45
إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّـٰتٖ وَعُيُونٍ
[45] إن الذين اتقوا الله بامتثال ما أمر واجتناب ما نهى في بساتينَ وأنهار جارية
46
ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٍ ءَامِنِينَ
[46] يقال لهم: ادخلوا هذه الجنات سالمين من كل سوء آمنين من كل عذاب
47
وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ
[47] ونزعنا ما في قلوبهم من حقد وعداوة، يعيشون في الجنة إخواناً متحابين، يجلسون على أسرَّة عظيمة، تتقابل وجوههم تواصلاً وتحابباً
48
لَا يَمَسُّهُمۡ فِيهَا نَصَبٞ وَمَا هُم مِّنۡهَا بِمُخۡرَجِينَ
[48] لا يصيبهم فيها تعب ولا إعياء، وهم باقون فيها أبداً.
49
۞نَبِّئۡ عِبَادِيٓ أَنِّيٓ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
[49] أخبِرْ -أيها الرسول- عبادي أني أنا الغفور للمؤمنين التائبين، الرحيم بهم
50
وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلۡعَذَابُ ٱلۡأَلِيمُ
[50] وأن عذابي هو العذاب المؤلم الموجع لغير التائبين.
51
وَنَبِّئۡهُمۡ عَن ضَيۡفِ إِبۡرَٰهِيمَ
[51] وأخبرهم -أيها الرسول- عن ضيوف إبراهيم من الملائكة الذين بشَّروه بالولد، وبهلاك قوم لوط.
52
إِذۡ دَخَلُواْ عَلَيۡهِ فَقَالُواْ سَلَٰمٗا قَالَ إِنَّا مِنكُمۡ وَجِلُونَ
[52] حين دخلوا عليه فقالوا: سلاماً؛ فردَّ عليهم السلام، ثم قدَّم لهم الطعام فلم يأكلوا، قال: إنا منكم فزعون.
53
قَالُواْ لَا تَوۡجَلۡ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ عَلِيمٖ
[53] قالت الملائكة له: لا تفزع إنَّا جئنا نبشرك بولد كثير العلم بالدين، هو إسحاق.
54
قَالَ أَبَشَّرۡتُمُونِي عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِيَ ٱلۡكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ
[54] قال إبراهيم متعجباً: أبشَّرتموني بالولد، وأنا كبير وزوجتي كذلك، فبأي أعجوبة تبشِّرونني؟
55
قَالُواْ بَشَّرۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡقَٰنِطِينَ
[55] قالوا: بشَّرناك بالحق الذي أعلمَنا به الله، فلا تكن من اليائسين أن يولد لك.
56
قَالَ وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ
[56] قال: لا ييئس من رحمة ربه إلا الخاطئون المنصرفون عن طريق الحق
57
قَالَ فَمَا خَطۡبُكُمۡ أَيُّهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ
[57] قال: فما الأمر الخطير الذي جئتم من أجله -أيها المرسلون- من عند الله؟
58
قَالُوٓاْ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمٖ مُّجۡرِمِينَ
[58] قالوا: إن الله أرسلنا لإهلاك قوم لوط المشركين الضالين
59
إِلَّآ ءَالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمۡ أَجۡمَعِينَ
[59] إلا لوطاً وأهله المؤمنين به، فلن نهلكهم وسننجيهم أجمعين
60
إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ قَدَّرۡنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ
[60] لكن زوجته الكافرة قضينا بأمر الله بإهلاكها مع الباقين في العذاب.
61
فَلَمَّا جَآءَ ءَالَ لُوطٍ ٱلۡمُرۡسَلُونَ
[61] فلما وصل الملائكة المرسلون إلى لوط
62
قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ مُّنكَرُونَ
[62] قال لهم: إنكم قوم غير معروفين لي.
63
قَالُواْ بَلۡ جِئۡنَٰكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمۡتَرُونَ
[63] قالوا: لا تَخَفْ، فإنَّا جئنا بالعذاب الذي كان يشك فيه قومك ولا يُصَدِّقون
64
وَأَتَيۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ
[64] وجئناك بالحق من عند الله، وإنا لصادقون
65
فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَٱتَّبِعۡ أَدۡبَٰرَهُمۡ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٞ وَٱمۡضُواْ حَيۡثُ تُؤۡمَرُونَ
[65] فاخرج مِن بينهم ومعك أهلك المؤمنون، بعد مرور جزء من الليل، وسر أنت وراءهم؛ لئلا يتخلف منهم أحد فيناله العذاب، واحذروا أن يلتفت منكم أحد وراءه؛ لئلا يرى العذاب فيصيبه كذلك، وأسرعوا إلى حيث أمركم الله؛ لتكونوا في مكان أمين.
66
وَقَضَيۡنَآ إِلَيۡهِ ذَٰلِكَ ٱلۡأَمۡرَ أَنَّ دَابِرَ هَـٰٓؤُلَآءِ مَقۡطُوعٞ مُّصۡبِحِينَ
[66] وأوحينا إلى لوط أن قومك مستأصَلون بالهلاك عن آخرهم عند طلوع الصبح.
67
وَجَآءَ أَهۡلُ ٱلۡمَدِينَةِ يَسۡتَبۡشِرُونَ
[67] وجاء أهل مدينة لوط إلى لوط حين علموا بمن عنده من الضيوف، وهم فرحون يستبشرون بضيوفه؛ ليأخذوهم ويفعلوا بهم الفاحشة.
68
قَالَ إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ ضَيۡفِي فَلَا تَفۡضَحُونِ
[68] قال لهم لوط: إن هؤلاء ضيفي وهم في حمايتي فلا تفضحوني
69
وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ
[69] وخافوا عقاب الله، ولا تتعرضوا لهم، فتوقعوني في الذل والهوان بإيذائكم لضيوفي.
70
قَالُوٓاْ أَوَلَمۡ نَنۡهَكَ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ
[70] قال قومه: أولم نَنْهَكَ أن تضيِّف أحداً من العالمين (وكانوا يقطعون السبيل على المسافرين)؛ لأنَّا نريد فِعْل الفاحشة بهم؟
71
قَالَ هَـٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِيٓ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ
[71] قال لوط لهم: هؤلاء نساؤكم بناتي فتزوَّجوهن إن كنتم تريدون قضاء وطركم، وسماهن بناته؛ لأن نبي الأمَّة بمنزلة الأب لهم، ولا تفعلوا ما حرَّم الله عليكم من إتيان الرجال.
72
لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ
[72] يقسم الخالق بمن يشاء وبما يشاء، أما المخلوق فلا يجوز له القسم إلا بالله، وقد أقسم الله تعالى بحياة محمد -صلى الله عليه وسلم- تشريفاً له. إن قوم لوط لفي غفلة شديدة يترددون ويتمادَون
73
فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ مُشۡرِقِينَ
[73] حتى حلَّتْ بهم صاعقة العذاب وقت شروق الشمس.
74
فَجَعَلۡنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ حِجَارَةٗ مِّن سِجِّيلٍ
[74] فقلبنا قُراهم فجعلنا عاليها سافلها، وأمطرنا عليهم حجارة من طين متصلب متين.
75
إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡمُتَوَسِّمِينَ
[75] إن فيما أصابهم لَعظاتٍ للناظرين المعتبرين
76
وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٖ مُّقِيمٍ
[76] وإن قراهم لفي طريق ثابت يراها المسافرون المارُّون بها..
77
إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ
[77] إن في إهلاكنا لهم لَدلالةً بيِّنةً للمصدقين العاملين بشرع الله.
78
وَإِن كَانَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡأَيۡكَةِ لَظَٰلِمِينَ
[78] وقد كان أصحاب المدينة الملتفة الشجر -وهم قوم شعيب- ظالمين لأنفسهم لكفرهم بالله ورسولهم الكريم.
79
فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٖ مُّبِينٖ
[79] فانتقمنا منهم بالرجفة وعذاب يوم الظلة، وإن مساكن قوم لوط وشعيب لفي طريق واضح يمرُّ بهما الناس في سفرهم فيعتبرون.
80
وَلَقَدۡ كَذَّبَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡحِجۡرِ ٱلۡمُرۡسَلِينَ
[80] ولقد كذَّب سكان «وادي الحِجْر» صالحاً عليه السلام، وهم ثمود فكانوا بذلك مكذبين لكل المرسلين؛ لأن من كذَّب نبيّاً فقد كذَّب الأنبياء كلهم؛ لأنهم على دين واحد.
81
وَءَاتَيۡنَٰهُمۡ ءَايَٰتِنَا فَكَانُواْ عَنۡهَا مُعۡرِضِينَ
[81] وآتينا قوم صالح آياتِنا الدالةَ على صحة ما جاءهم به صالح من الحق، ومن جملتها الناقة، فلم يعتبروا بها، وكانوا عنها مبتعدين معرضين.
82
وَكَانُواْ يَنۡحِتُونَ مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتًا ءَامِنِينَ
[82] وكانوا ينحتون الجبال، فيتخذون منها بيوتاً، وهم آمنون من أن تسقط عليهم أو تخرب.
83
فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ مُصۡبِحِينَ
[83] فأخذتهم صاعقة العذاب وقت الصباح مبكرين.
84
فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ
[84] فما دفع عنهم عذابَ الله الأموالُ والحصونُ في الجبال، ولا ما أُعطوه من قوة وجاه.
85
وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَأٓتِيَةٞۖ فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِيلَ
[85] وما خلَقْنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق، دالتين على كمال خالقهما واقتداره، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له. وإن الساعة التي تقوم فيها القيامة لآتية لا محالة؛ لتوفَّى كل نفس بما عملت، فاعف -أيها الرسول- عَفْواً حَسَناً عن المشركين، وأعرِضْ عنهم وتجاوز عمَّا يفعلونه.
86
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡخَلَّـٰقُ ٱلۡعَلِيمُ
[86] إنَّ ربك هو الخلاق لكل شيء، العليم به، فلا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يخفى عليه.
87
وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ سَبۡعٗا مِّنَ ٱلۡمَثَانِي وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِيمَ
[87] ولقد آتيناك -أيها النبي- فاتحة القرآن، وهي سبع آيات تكرر في كل صلاة، وآتيناك القرآن العظيم.
88
لَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِينَ
[88] لا تنظر بعينيك وتتمنَّ ما مَتَّعْنا به أصنافاً من الكفار مِن مُتَع الدنيا، ولا تحزن على كفرهم، وتواضَعْ للمؤمنين بالله ورسوله.
89
وَقُلۡ إِنِّيٓ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلۡمُبِينُ
[89] وقل: إني أنا المنذر الموضِّح لما يهتدي به الناس إلى الإيمان بالله رب العالمين، ومنذركم أن يصيبكم العذاب.
90
كَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَى ٱلۡمُقۡتَسِمِينَ
[90] كما أنزله الله على الذين قسَّموا القرآن، فآمنوا ببعضه، وكفروا ببعضه الآخر من اليهود والنصارى وكفار قريش.
91
ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ
[91] وهم الذين جعلوا القرآن أقساماً وأجزاء، فمنهم من يقول: سحر، ومنهم من يقول كَهَانة، ومنهم من يقول غير ذلك، يصرِّفونه بحسب أهوائهم؛ ليصدوا الناس عن الهدى.
92
فَوَرَبِّكَ لَنَسۡـَٔلَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ
[92] فوربك لنحاسبنَّهم يوم القيامة ولنجزينهم أجمعين
93
عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ
[93] عن تقسيمهم للقرآن بافتراءاتهم، وتحريفه وتبديله، وغير ذلك مما كانوا يعملونه مِن عبادة الأوثان، ومِن المعاصي والآثام. وفي هذا ترهيب وزجر لهم من الإقامة على هذه الأفعال القبيحة.
94
فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ
[94] فاجهر بدعوة الحق التي أمرك الله بها، ولا تبال بالمشركين، فقد برَّأك الله ممَّا يقولون.
95
إِنَّا كَفَيۡنَٰكَ ٱلۡمُسۡتَهۡزِءِينَ
[95] إنَّا كَفَيْناك المستهزئين الساخرين من زعماء قريش
96
ٱلَّذِينَ يَجۡعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۚ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ
[96] الذين اتخذوا شريكاً مع الله من الأوثان وغيرها، فسوف يعلمون عاقبة عملهم في الدنيا والآخرة.
97
وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدۡرُكَ بِمَا يَقُولُونَ
[97] ولقد نعلم بانقباض صدرك -أيها الرسول-؛ بسبب ما يقوله المشركون فيك وفي دعوتك.
98
فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ
[98] فافزع إلى ربك عند ضيق صدرك، وسَبِّح بحمده شاكراً له مثنياً عليه، وكن من المصلِّين لله العابدين له، فإن ذلك يكفيك ما أهمَّك.
99
وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ
[99] واستمِرَّ في عبادة ربك مدة حياتك حتى يأتيك اليقين، وهو الموت.وامتثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر ربه، فلم يزل دائباً في عبادة الله، حتى أتاه اليقين من ربه.
صَدَقَ اللهُ العَظِيمُ