تفسير سورة الفَتح - (تفسير القرآن الكريم)

0
تفسير القرآن الكريم: (التفسير الميسر) - تفسير سورة الفَتح

تفسير سورة الفَتح

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

  • 1

    إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا

    [1] إنا فتحنا لك -أيها الرسول- فتحاً مبيناً، يُظْهِر الله فيه دينك، وينصرك على عدوك، وهو هدنة «الحديبيَة» التي أمِنَ الناس بسببها بعضهم بعضاً، فاتسعت دائرة الدعوة لدين الله، وتمكن من يريد الوقوف على حقيقة الإسلام مِن معرفته، فدخل الناس في تلك المدة في دين الله أفواجاً؛ ولذلك سمَّاه الله فتحاً مبيناً، أي ظاهراً جليّاً.

  • 2

    لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا

    [2] فتحنا لك ذلك الفتح، ويسَّرناه لك؛ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؛ بسبب ما حصل من هذا الفتح من الطاعات الكثيرة وبما تحملته من المشقات، ويتم نعمته عليك بإظهار دينك ونصرك على أعدائك، ويرشدك طريقاً مستقيماً من الدين لا عوج فيه،

  • 3

    وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصۡرًا عَزِيزًا

    [3] وينصرك الله نصراً قويّاً لا يَضْعُف فيه الإسلام.

  • 4

    هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا

    [4] هو الله الذي أنزل الطمأنينة في قلوب المؤمنين بالله ورسوله يوم «الحديبيَة» فسكنت، ورسخ اليقين فيها؛ ليزدادوا تصديقاً لله واتباعاً لرسوله مع تصديقهم واتباعهم. ولله سبحانه وتعالى جنود السموات والأرض ينصر بهم عباده المؤمنين. وكان الله عليماً بمصالح خلقه، حكيماً في تدبيره وصنعه.

  • 5

    لِّيُدۡخِلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوۡزًا عَظِيمٗا

    [5] ليدخل الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري مِن تحت قصورها وأشجارها الأنهار، ماكثين فيها أبداً، ويمحو عنهم سيِّئ ما عملوا، فلا يعاقبهم عليه، وكان ذلك الجزاء عند الله نجاة من كل غم، وظَفَراً بكل مطلوب.

  • 6

    وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرٗا

    [6] ويعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الذين يظنون ظنّاً سيئاً بالله أنه لن ينصر نبيه والمؤمنين معه على أعدائهم، ولن يُظهر دينه، فعلى هؤلاء تدور دائرة العذاب وكلُّ ما يسوءُهم، وغضب الله عليهم، وطردهم من رحمته، وأعدَّ لهم نار جهنم، وساءت منزلاً يصيرون إليه.

  • 7

    وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا

    [7] ولله سبحانه وتعالى جنود السموات والأرض يؤيد بهم عباده المؤمنين. وكان الله عزيزاً على خلقه، حكيماً في تدبير أمورهم.

  • 8

    إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا

    [8] إنا أرسلناك -أيها الرسول- شاهداً على أمتك بالبلاغ، مبيناً لهم ما أرسلناك به إليهم، ومبشراً لمن أطاعك بالجنة، ونذيراً لمن عصاك بالعقاب العاجل والآجل؛

  • 9

    لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا

    [9] لتؤمنوا بالله ورسوله، وتنصروا الله بنصر دينه، وتعظموا الله، وتسبحوه أول النهار وآخره.

  • 10

    إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَيۡدِيهِمۡۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيۡهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا

    [10] إن الذين يبايعونك -أيها النبي- ﺑ«الحديبيَة» على القتال إنما يبايعون الله، ويعقدون العقد معه ابتغاء جنته ورضوانه، يد الله فوق أيديهم، فهو معهم يسمع أقوالهم، ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فمن نقض بيعته فإنما يعود وبال ذلك على نفسه، ومن أوفى بما عاهد الله عليه من الصبر عند لقاء العدو في سبيل الله ونصرة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، فسيعطيه الله ثواباً جزيلاً، وهو الجنة. وفي الآية إثبات صفة اليد لله تعالى بما يليق به سبحانه، دون تشبيه ولا تكييف.

  • 11

    سَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢاۚ بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا

    [11] سيقول لك -أيها النبي- الذين تخلَّفوا من الأعراب عن الخروج معك إلى «مكة» إذا عاتبتهم: شغلتنا أموالنا وأهلونا، فاسأل ربك أن يغفر لنا تخلُّفنا، يقولون ذلك بألسنتهم، ولا حقيقة له في قلوبهم، قل لهم: فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم شرّاً أو خيراً؟ ليس الأمر كما ظن هؤلاء المنافقون أن الله لا يعلم ما انطوت عليه بواطنهم من النفاق، بل إنه سبحانه كان بما يعملون خبيراً، لا يخفى عليه شيء من أعمال خلقه.

  • 12

    بَلۡ ظَنَنتُمۡ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِلَىٰٓ أَهۡلِيهِمۡ أَبَدٗا وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِي قُلُوبِكُمۡ وَظَنَنتُمۡ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِ وَكُنتُمۡ قَوۡمَۢا بُورٗا

    [12] وليس الأمر كما زعمتم من انشغالكم بالأموال والأهل، بل إنكم ظننتم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من أصحابه سيَهْلكون، ولا يَرْجعون إليكم أبداً، وحسَّن الشيطان ذلك في قلوبكم، وظننتم ظنّاً سيئاً أن الله لن ينصر نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه على أعدائهم، وكنتم قوماً هَلْكى لا خير فيكم.

  • 13

    وَمَن لَّمۡ يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ فَإِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ سَعِيرٗا

    [13] ومن لم يصدِّق بالله وبما جاء به رسوله -صلى الله عليه وسلم- ويعمل بشرعه، فإنه كافر مستحق للعقاب، فإنا أعددنا للكافرين عذاب السعير في النار.

  • 14

    وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا

    [14] ولله ملك السموات والأرض وما فيهما، يتجاوز برحمته عمن يشاء فيستر ذنبه، ويعذِّب بعدله من يشاء. وكان الله سبحانه وتعالى غفوراً لمن تاب إليه، رحيماً به.

  • 15

    سَيَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا

    [15] سيقول المخلَّفون إذا انطلقت -أيها النبي- أنت وأصحابك إلى غنائم «خيبر» التي وعدكم الله بها: اتركونا نذهب معكم إلى «خيبر»، يريدون أن يغيِّروا بذلك وعد الله لكم. قل لهم: لن تخرجوا معنا إلى «خيبر»؛ لأن الله تعالى قال لنا من قبل رجوعنا إلى «المدينة»: إن غنائم «خيبر» هي لمن شهد «الحديبيَة» معنا، فسيقولون: ليس الأمر كما تقولون، إن الله لم يأمركم بهذا، إنكم تمنعوننا من الخروج معكم حسداً منكم؛ لئلا نصيب معكم الغنيمة، وليس الأمر كما زعموا، بل كانوا لا يفقهون عن الله ما لهم وما عليهم من أمر الدين إلا يسيراً.

  • 16

    قُل لِّلۡمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ سَتُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ قَوۡمٍ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ تُقَٰتِلُونَهُمۡ أَوۡ يُسۡلِمُونَۖ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤۡتِكُمُ ٱللَّهُ أَجۡرًا حَسَنٗاۖ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ كَمَا تَوَلَّيۡتُم مِّن قَبۡلُ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا

    [16] قل للذين تخلَّفوا من الأعراب -وهم البدو- عن القتال: ستُدْعون إلى قتال قوم أصحاب بأس شديد في القتال، تقاتلونهم أو يسلمون من غير قتال، فإن تطيعوا الله فيما دعاكم إليه مِن قتال هؤلاء القوم يؤتكم الجنة، وإن تعصوه كما فعلتم حين تخلفتم عن السير مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى «مكة»، يعذبكم عذاباً موجعاً.

  • 17

    لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِيضِ حَرَجٞۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبۡهُ عَذَابًا أَلِيمٗا

    [17] ليس على الأعمى منكم -أيها الناس- إثم، ولا على الأعرج إثم، ولا على المريض إثم في أن يتخلَّفوا عن الجهاد مع المؤمنين؛ لعدم استطاعتهم. ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري مِن تحت قصورها وأشجارها الأنهار، ومن يعص الله ورسوله، فيتخلَّف عن الجهاد مع المؤمنين، يعذبه عذاباً مؤلماً موجعاً.

  • 18

    ۞لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا

    [18] لقد رضي الله عن المؤمنين حين بايعوك -أيها النبي- تحت الشجرة -وهذه هي بيعة الرضوان في «الحديبيَة»- فعلم الله ما في قلوب هؤلاء المؤمنين من الإيمان والصدق والوفاء، فأنزل الله الطمأنينة عليهم وثبَّت قلوبهم، وعوَّضهم عمَّا فاتهم بصلح «الحديبيَة» فتحاً قريباً، وهو فتح «خيبر»،

  • 19

    وَمَغَانِمَ كَثِيرَةٗ يَأۡخُذُونَهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا

    [19] ومغانم كثيرة يأخذونها من أموال يهود «خيبر». وكان الله عزيزاً في انتقامه من أعدائه، حكيماً في تدبير أمور خلقه.

  • 20

    وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةٗ تَأۡخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمۡ هَٰذِهِۦ وَكَفَّ أَيۡدِيَ ٱلنَّاسِ عَنكُمۡ وَلِتَكُونَ ءَايَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَيَهۡدِيَكُمۡ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا

    [20] وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها في أوقاتها التي قدَّرها الله لكم فعجَّل لكم غنائم «خيبر»، وكفَّ أيدي الناس عنكم، فلم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة والقتال، ومن أن ينالوا ممن تركتموهم وراءكم في «المدينة»، ولتكون هزيمتهم وسلامتكم وغنيمتكم علامة تعتبرون بها، وتستدلون على أن الله حافظكم وناصركم، ويرشدَكم طريقاً مستقيماً لا اعوجاج فيه.

  • 21

    وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا

    [21] وقد وعدكم الله غنيمة أخرى لم تقدروا عليها، الله سبحانه وتعالى قادر عليها، وهي تحت تدبيره وملكه، وقد وعدكموها، ولا بد مِن وقوع ما وعد به. وكان الله على كل شيء قديراً لا يُعجزه شيء.

  • 22

    وَلَوۡ قَٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا

    [22] ولو قاتلكم كفار قريش ﺑ«مكة» لانهزموا عنكم وولَّوكم ظهورهم، كما يفعل المنهزم في القتال، ثم لا يجدون لهم مِن دون الله وليّاً يواليهم على حربكم، ولا نصيراً يعينهم على قتالكم.

  • 23

    سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا

    [23] سنة الله التي سنَّها في خلقه من قبل بنصر جنده وهزيمة أعدائه، ولن تجد -أيها النبي- لسنة الله تغييراً.

  • 24

    وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا

    [24] وهو الذي كفَّ أيدي المشركين عنكم، وأيديكم عنهم ﺑ«الحديبيَة» غربِ «مكةَ» من بعد ما قَدَرْتم عليهم، فصاروا تحت سلطانكم، وهؤلاء المشركون هم الذين خرجوا على عسكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ﺑ«الحديبيَة»، فأمسكهم المسلمون ثم تركوهم ولم يقتلوهم، وكانوا نحو ثمانين رجلاً، وكان الله بأعمالكم بصيراً، لا تخفى عليه خافية.

  • 25

    هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡهَدۡيَ مَعۡكُوفًا أَن يَبۡلُغَ مَحِلَّهُۥۚ وَلَوۡلَا رِجَالٞ مُّؤۡمِنُونَ وَنِسَآءٞ مُّؤۡمِنَٰتٞ لَّمۡ تَعۡلَمُوهُمۡ أَن تَطَـُٔوهُمۡ فَتُصِيبَكُم مِّنۡهُم مَّعَرَّةُۢ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۖ لِّيُدۡخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ لَوۡ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبۡنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا

    [25] كفار قريش هم الذين جحدوا توحيد الله، وصدُّوكم يوم «الحديبيَة» عن دخول المسجد الحرام، ومنعوا الهدي، وحبسوه أن يبلغ مَحِلَّ نحره، وهو الحرم. ولولا رجال مؤمنون مستضعفون ونساء مؤمنات بين أظهر هؤلاء الكافرين ﺑ«مكة»، يكتمون إيمانهم خيفة على أنفسهم لم تعرفوهم؛ خشية أن تطؤوهم بجيشكم فتقتلوهم، فيصيبكم بذلك القتل إثم وعيب وغرامة بغير علم، لكنَّا سلَّطناكم على المشركين؛ ليدخل الله في رحمته من يشاء فيَمُنَّ عليهم بالإيمان بعد الكفر، لو تميَّز هؤلاء المؤمنون والمؤمنات عن مشركي «مكة» وخرجوا من بينهم، لعذَّبنا الذين كفروا وكذَّبوا منهم عذاباً مؤلماً موجعاً.

  • 26

    إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا

    [26] إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الأنَفَة أنَفَة الجاهلية؛ لئلا يقرُّوا برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلك امتناعهم أن يكتبوا في صلح «الحديبية» «بسم الله الرحمن الرحيم» وأبوا أن يكتبوا «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله»، فأنزل الله الطمأنينة على رسوله وعلى المؤمنين معه، وألزمهم قول «لا إله إلا الله» التي هي رأس كل تقوى، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون معه أحقَّ بكلمة التقوى من المشركين، وكانوا كذلك أهل هذه الكلمة دون المشركين. وكان الله بكل شيء عليماً لا يخفى عليه شيء.

  • 27

    لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡيَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَۖ فَعَلِمَ مَا لَمۡ تَعۡلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتۡحٗا قَرِيبًا

    [27] لقد صدق الله رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- رؤياه التي أراها إياه بالحق لتدخلَنَّ أنت وأصحابك بيت الله الحرام آمنين، لا تخافون أهل الشرك، محلِّقين رؤوسكم ومقصِّرين، فعلم الله من الخير والمصلحة -في صرفكم عن «مكة» عامكم ذلك ودخولكم إليها فيما بعد- ما لم تعلموا أنتم، فجعل مِن دون دخولكم «مكة» الذي وعدتم به، فتحاً قريباً، وهو هدنة «الحديبية» وفتح «خيبر».

  • 28

    هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا

    [28] هو الذي أرسل رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم-، بالبيان الواضح ودين الإسلام؛ ليُعْليه على الملل كلها، وحسبك -أيها الرسول- بالله شاهداً على أنه ناصرك ومظهر دينك على كل دين.

  • 29

    مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا

    [29] محمد رسول الله، والذين معه على دينه أشداء على الكفار، رحماء فيما بينهم، تراهم ركعاً سُجَّداً لله في صلاتهم، يرجون ربهم أن يتفضل عليهم، فيدخلهم الجنة، ويرضى عنهم، علامة طاعتهم لله ظاهرة في وجوههم من أثر السجود والعبادة، هذه صفتهم في التوراة. وصفتهم في الإنجيل كصفة زرع أخرج ساقه وفرعه، ثم تكاثرت فروعه بعد ذلك، وشدت الزرع، فقوي واستوى قائماً على سيقانه جميلاً منظره، يعجب الزُّرَّاع؛ ليَغِيظ بهؤلاء المؤمنين في كثرتهم وجمال منظرهم الكفار. وفي هذا دليل على كفر من أبغض الصحابة -رضي الله عنهم-؛ لأن من غاظه الله بالصحابة، فقد وُجد في حقِّه موجِب الغَيْظ، وهو الكفر. وعد الله الذين آمنوا منهم بالله ورسوله وعملوا ما أمرهم الله به، واجتنبوا ما نهاهم عنه، مغفرة لذنوبهم، وثواباً جزيلاً لا ينقطع، وهو الجنة. ووعد الله حق مصدَّق لا يُخْلَف، وكل من اقتفى أثر الصحابة رضي الله عنهم فهو في حكمهم في استحقاق المغفرة والأجر العظيم، ولهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة، رضي الله عنهم وأرضاهم.

صَدَقَ اللهُ العَظِيمُ

تم النسخ!
(full-width)


إرسال تعليق

0تعليقات
نسعد بتعليقكم🤩، ونسألكم الدعاء لأبى ولأمواتكم وأموات المسلمين بالرحمة والمغفرة وجنات النعيم مع الصدقين والشهداء والنبين- اللهم امين. شكرا لكم.

نور على نور - نحن ممتنون لتعليقكم الكريم ❤

نور على نور - نحن ممتنون لتعليقكم الكريم ❤

إرسال تعليق (0)